كتاب: تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



فصل في تضمنها الرد على الجهمية معطلة الصفات:
وذلك من وجوه:
أحدهما: من قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فإن إثبات الحمد الكامل له يقضي ثبوت كل ما يحمد عليه من صفات كماله، ونعوت جلاله، إذ من عدم صفات الكمال فليس بمحمود على الإطلاق، وغايته: أنه محمود من وجه دون وجه، ولا يكون محمودا بكل وجه، وبكل اعتبار، بجميع أنواع الحمد: إلا من استولى على صفات الكمال جميعها، فلو عدم منها صفة واحدة لنقص من حمده بحسبها.
وكذلك في إثبات صفة الرحمة له: ما يتضمن إثبات الصفات التي تستلزمها من الحياة، والإرادة والقدرة، والسمع والبصر، وغيرها.
وكذلك صفة الربوبية: تستلزم جميع صفات الفعل، وصفة الإلهية تستلزم جميع أوصاف الكمال: ذاتا وأفعالا، كما تقدم بيانه.
فكونه محمودا إلها ربا رحمانا رحيما، ملكا معبودا، مستعانا، هاديا منعما، يرضى ويغضب، مع نفي قيام الصفات به: جمع بين النقيضين.
وهو من أمحل المحال.
وهذه الطريق تتضمن إثبات الصفات الخبرية من وجهين:
أحدهما: أنها من لوازم كماله المطلق فإن استواءه على عرشه من لوازم علوه، ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا في نصف الليل الثاني: من لوازم رحمته وربوبيته. وهكذا سائر الصفات الخبرية الوجه الثاني: أن السمع ورد بها ثناء على اللّه ومدحا له، وتعرفا منه إلى عباده بها. فجحدها وتحريفها عما دلت عليه، وأريد بها: مناقض لما جاءت له، فلك أن تستدل بطريق السمع على أنها كمال، وأن تستدل بالعقل كما تقدم.
فصل في تضمنها الرد على الجبرية:
وذلك على وجوه:
أحدها: من إثبات عموم حمده سبحانه. فإنه يقتضي ألا يعاقب عبيده على ما لا قدرة لهم عليه، ولا هو من فعلهم، بل هو بمنزلة ألوانهم، وطولهم وقصرهم، بل هو يعاقبهم على نفس فعله بهم. فهو الفاعل لقبائحهم في الحقيقة، وهو المعاقب لهم عليها. فحمده عليها يأبى ذلك أشد الإباء، وينفيه أعظم النفي، فتعالى من له الحمد كله عن ذلك علوا كبيرا، بل إنما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة. فهي أفعالهم لا أفعاله. وإنما أفعاله العدل والإحسان والخيرات الوجه الثاني: إثبات رحمته ورحمانيته تنفي ذلك. إذ لا يمكن اجتماع هذين الأمرين قط: أن يكون رحمانا رحيما، ويعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه، ولا هو من فعله، بل يكلفه ما لا يطيقه، ولا له عليه قدرة البتة ثم يعاقبه عليه، وهل هذا إلا ضد الرحمة. ونقض لها وإبطال؟ وهل يصح في معقول أحد: اجتماع ذلك، والرحمة التامة الكاملة في ذات واحدة؟.
الوجه الثالث: إثبات العبادة والاستعانة لهم، ونسبتها إليهم بقولهم: نعبد ونستعين وهي نسبة حقيقية لا مجازية، واللّه لا يصح وصفه بالعبادة والاستعانة التي هي من أفعال عبيده، بل العبد حقيقة: هو العابد المستعين. واللّه المعبود المستعان به.
فصل في بيان تضمنها للرد على القائلين بالموجب بالذات دون الاختيار والمشيئة. وبيان أنه سبحانه فاعل مختار:
وذلك من وجوه:
أحدها: من إثبات حمده، إذ كيف يحمده على ما ليس مختارا لوجوده، ولا هو بمشيئته وفعله؟ وهل يصح حمد الماء على آثاره وموجباته؟ أو النار والحديد وغيرها في عقل أو فطرة؟ وإنما يحمد الفاعل المختار بقدرته ومشيئته على أفعاله الحميدة، هذا الذي ليس في العقول والفطر سواه.
فخلافه خارج عن الفطرة والعقل، وهو لا ينكر خروجه عن الشرائع والنبوات بل يتبجح بذلك، ويعده فخرا.
الثاني: إثبات ربوبيته تعالى: يقتضي فعله بمشيئته واختياره وتدبيره وقدرته، وليس يصح في عقل ولا فطرة ربوبية الشمس لضوئها، والماء لتبريده، والنبات الحاصل به، ولا ربوبية شيء أبدا لما لا قدرة له عليه البتة، وهل هذا إلا تصريح بجحد الربوبية؟.
فالقوم كنوا للأغمار، وصرحوا لأولي الأفهام.
الثالث: إثبات ملكه. وحصول ملك لمن اختار له، ولا فعل ولا مشيئة غير معقول، بل كل مملوك له مشيئة واختيار وفعل أتم من هذا الملك وأكمل: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [16: 17].
الرابع: من كونه مستعانا، فإن الاستعانة بمن لا اختيار له ولا مشيئة ولا قدرة محال.
الخامس: من كونه مسئولا أن يهدي عباده، فسؤال من لا اختيار له محال. وكذلك من كونه منعما.
فصل في بيان تضمنها للرد على منكري تعلق علمه تعالى بالجزئيات:
وذلك من وجوه:
أحدها: كمال حمده، وكيف يستحق الحمد من لا يعلم شيئا من العالم وأحواله وتفاصيله، ولا عدد الأفلاك، ولا عدد النجوم، ولا من يطيعه ممن يعصيه، ولا من يدعوه ممن لا يدعوه.
الثاني: أن هذا مستحيل أن يكون إلها، وأن يكون ربا، فلا بد للإله المعبود والرب المدبر أن يعلم عابده، ويعلم حاله.
الثالث: من إثبات رحمته. فإنه يستحيل أن يرحم من لا يعلم.
الرابع: إثبات ملكه. فإن ملكا لا يعرف أحدا من رعيته البتة. ولا شيئا من أحوال مملكته البتة. ليس بملك بوجه من الوجوه.
الخامس: كونه مستعانا.
السادس: كونه مسئولا أن يهدي سائله ويجيبه.
السابع: كونه هاديا.
الثامن كونه منعما.
التاسع كونه غضبانا على من خالفه.
العاشر: كونه مجازيا، يدين الناس بأعمالهم يوم الدين، فنفي علمه بالجزئيات مبطل لذلك كله.
فصل في بيان تضمنها للرد على منكري النبوات:
وذلك من وجوه:
أحدها: إثبات حمده التام. فإنه يقتضي كمال حكمته وأن لا يخلق خلقه عبثا، ولا يتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولذلك نزّه نفسه عن هذا في غير موضع من كتابه. وأخبر أن من أنكر الرسالة والنبوة، وأن يكون ما أنزل على بشر من شيء فإنه ما عرفه حق معرفته، ولا عظمه حق عظمته، ولا قدره حق قدره، بل نسبه إلى ما لا يليق به، ويأباه حمده ومجده.
فمن أعطى الحمد حقه علما ومعرفة وبصيرة استنبط منه (أشهد أن محمدا رسول اللّه) كما يستنبط منه (أشهد ألا إله إلا اللّه) وعلم قطعا أن تعطيل النبوات في منافاته للحمد كتعطيل صفات الكمال، وكإثبات الشركاء والأنداد.
الثاني: إلهيته، وكونه إلها. فإن ذلك مستلزم لكونه معبودا مطاعا ولا سبيل إلى معرفة ما يعبد به ويطاع إلا من جهة رسله.
الثالث: كونه ربا. فإن الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم.
وجزاء محسنهم بإحسانه، ومسيئهم بإساءته. هذا حقيقة الربوبية. وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة.
الرابع: كونه رحمانا رحيما. فإن كمال رحمته: أن يعرف عباده نفسه وصفاته ويدلهم على ما يقربهم إليه، ويباعدهم منه، ويثيبهم على طاعته، ويجزيهم بالحسنى، وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة. فكنت رحمته مقتضية لها.
الخامس: ملكه. فإن الملك يقتضي التصرف بالقول، كما أن الملك يقضي التصرف بالفعل، فالملك هو المتصرف بأمره وقوله، فتنفذ أوامره ومراسيمه حيث شاء والمالك هو المتصرف في ملكه بفعله، واللّه له الملك وله الملك، فهو المتصرف في خلقه بالقول والفعل.
وتصرفه بقوله نوعان: تصرف بكلماته الكونية، وتصرف بكلماته الدينية، وكمال الملك بهما، فإرسال الرسل: موجب كمال ملكه وسلطانه، وهذا هو الملك المعقول في فطر الناس وعقولهم. فكل ملك لا تكون له رسل يبثها في أقطار مملكته فليس بملك. وبهذه الطريق يعلم وجود ملائكته، وأن الإيمان بهم من لوازم الإيمان بملكه. فإنهم رسل اللّه في خلقه وأمره.
السادس: ثبوت يوم الدين. وهو يوم الجزاء، الذي يدين اللّه فيه العباد بأعمالهم خيرا وشرا، وهذا لا يكون إلا بعد ثبوت الرسالة والنبوة، وقيام الحجة التي بسببها يدان المطيع والعاصي.
السابع: كونه معبودا. فإنه لا يعبد إلّا بما يحبه ويرضاه، ولا سبيل للخلق إلى معرفة ما يحبه ويرضاه إلا من جهة رسله. فإنكار رسله إنكار لكونه معبودا.
الثامن: كونه هاديا إلى الصراط المستقيم. وهو معرفة الحق والعمل به، وهو أقرب الطرق الموصلة إلى المطلوب. فإن الخط المستقيم: هو أقرب خط موصل بين نقطتين، وذلك لا يعلم إلا من جهة الرسل. فتوقفه على الرسل ضروري، أعظم من توقف الطريق الحسي على سلامة الحواس.
التاسع: كونه منعما على أهل الهداية إلى الصراط المستقيم. فإن إنعامه عليهم إنما تم بإرسال الرسل إليهم، وجعلهم قابلين الرسالة مستجيبين لدعوته، وبذلك ذكرهم منته عليهم وإنعامه في كتابه.
العاشر: انقسام خلقه إلى منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالين، فإن هذا الانقسام ضروري بحسب انقسامهم في معرفة الحق، والعمل به:
إلى عالم به عامل بموجبه، وهم أهل النعمة، وعالم به معاند له، وهم أهل الغضب. وجاهل به، وهم الضالون. وهذا الانقسام إنما نشأ بعد إرسال الرسل. فلولا الرسل لكانوا أمة واحدة. فانقسامهم إلى هذه الأقسام مستحيل بدون الرسالة. وهذا الانقسام ضروري بحسب الواقع. فالرسالة ضرورية.
وقد تبين لك بهذه الطريق، والتي قبلها: بيان تضمنها للرد على من أنكر المعاد الجسماني، وقيامة الأبدان، وعرفت اقتضاءها ضرورة ثبوت الثواب والعقاب والأمر والنهى. وهو الحق الذي خلقت به وله السموات والأرض والدنيا والآخرة، وهو مقتضى الخلق والأمر، ونفيه نفي لهما.
فصل:
إذا ثبتت النبوات والرسالة ثبتت صفة التكلم والتكليم.
فإن حقيقة الرسالة: تبليغ كلام المرسل، فإذا لم يكن ثمّ كلام فماذا يبلغ الرسل؟ بل كيف يعقل كونه رسولا؟ ولهذا قال غير واحد من السلف: من أنكر أن يكون اللّه متكلما، أو يكون القرآن كلامه. فقد أنكر رسالة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، بل ورسالة جميع الرسل، التي حقيقتها، تبليغ كلام اللّه تبارك وتعالى. ولهذا قال منكرو رسالته صلّى اللّه عليه وسلّم عن القرآن: {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [74: 24، 25] وإنما عنوا القرآن المسموع الذي بلغوه وأنذروا به.
فمن قال: إن اللّه لم يتكلم به فقد ضاهأ قوله قولهم. تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
فصل في بيان تضمنها للرد على من قال بقدم العالم:
وذلك من وجوه:
أحدها: إثبات حمده. فإنه يقتضي ثبوت أفعاله، لا سيما وعامة مواد الحمد في القرآن، أو كلها، إنما هي على الأفعال، وكذلك هو هاهنا. فإنه حمد نفسه على ربوبيته المتضمنة لأفعاله الاختيارية، ومن المستحيل: مقارنة الفعل لفاعله. هذا ممتنع في كل عقل سليم، وفطرة مستقيمة. فالفعل متأخر عن فاعله بالضرورة.
وأيضا فإنه متعلق الإرادة والتأثير والقدرة، ولا يكون متعلقها قديما البتة.
الثاني: إثبات ربوبيته للعالمين. وتقريره: ما ذكرناه، والعالم كل ماسواه فثبت أن كل ما سواه مربوب، والمربوب مخلوق بالضرورة، وكل مخلوق حادث بعد أن لم يكن، فإذا ربوبيته تعالى لكل ما سواه تستلزم تقدمه عليه وحدوث المربوب، ولا يتصور أن يكون العالم قديما، وهو مربوب أبدا، فإن القديم مستغن بأزليته عن فاعل له، وكل مربوب فهو فقير بالذات، فلا شيء من المربوب بغني ولا قديم.
الثالث: إثبات توحيده، فإنه يقتضي عدم مشاركة شيء من العالم له في خصائص الربوبية، والقدر من خصائص الربوبية، فالتوحيد ينفي ثبوته لغيره ضرورة، كما ينفي ثبوت الربوبية والإلهية لغيره.
فصل في بيان تضمنها للرد على الرافضة:
وذلك من قوله: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها.
ووجه تضمنه إبطال قولهم: أنه سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أقسام: منعم عليهم، وهم أهل الصراط المستقيم، الذين عرفوا الحق واتبعوه.